الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده لأداء أفضل الطاعات، واكتساب أكمل السعادات، وأشهد أن لا إله إلا الله المتصف بجميع الكمالات، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل المخلوقات صلى الله عليه وسلّم، وعلى آله وأصحاب الأنجم النيرات، صلاة وسلاماً دائمين ما دامت الأرض والسموات.
(أما بعد) فيقول العبد الفقير المضطر لرحمة ربه العليم الخبير، لكثرة التقصير والمساوي، أبو عبدالمعطي محمد نووي بن عمر الجاوي، الشافعي مذهباً البنتني إقليماً التناري منشأ وداراً غفر الله ذنوبه، وستر في الدارين عيوبه (هذه) تقييدات نافعة إن شاء الله تعالى على المختصر الملقب بسفينة النجا في أصول الدين والفقه للشيخ العالم الفاضل سالمبن سمير الحضرمي، إقليماً والبتاوي وفاة نور الله ضريحه تتمم مسائله وتفك مشكله وتفصل مجمله وضعتها لتكون تذكرة لنفسي، وللقاصرين مثلي من أبناء جنسي، وسميتها: (كاشفة السجا في شرح سفينة النجا) وأوضحته بالتراجم بالفصل وغيره اقتداء بكتاب الله تعالى في كونه مترجماً مفصلاً سوراً سوراً ولأنه أبعث على الدرس والتحصيل منه وأقحمت فيه فصل الصيام، إن شاء الله تعالى ليزيد النفع على العوام، بعون الملك العلام، وجعلته كهيئة المتن مع الشرح في المشابكة لتوافق صورة الفرع صورة الأصل فإن شرط المرافقة الموافقة نسأله سبحانه تبارك وتعالى أن يعيننا على إكمالها وييسر الأسباب في افتتاحها واختتامها، وما حملني على جمعها إلا رجاء دعوة رجل صالح ينتفع منها بمسألة فيعود نفعها علي في قبري لحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وأنا وإن كنت لست أهلاً لهذا الشأن والحال قصدت التشبه بالرجال لأفوز بصحبتي إياهم لما ورد في الخبر: من تشبه بقوم فهو منهم، وأردت الغوص في محبتهم لأحشر معهم لحديث البخاري: "يحشر المرء مع من أحب" وينبغي لمن وقف على هفوة أن يصلحها بعد التأمل نسأل الله تعالى أن يبدل حالنا إلى أحسن الأحوال وأن يجعلنا ممن تسعى إليه الناس لأخذ العلم لا لحظوظ الدنيا الفانية وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الباقية.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) أي بكل اسم من أسماء الذات الأعلى الموصوف بكمال الأفعال أو بإرادة ذلك أؤلف متبركاً أو مستعيناً فسره بذلك شيخنا أحمد الدمياطي في حاشيته على أصول الفقه. ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز في إبدائه بها أي في اللوح المحفوظ أو بعد جمعه وترتيبه في المصحف، وأما ما روي أن أول ما كتبه القلم أنا التواب وأنا أتوب على من تاب فهو في ساق العرض. وامتثالاً وإطاعة لأمره صلى الله عليه وسلّم في قوله: "إن أول ما كتبه القلم بسم الله الرحمن الرحيم فإذا كتبتم كتاباً فاكتبوها أوله وهي مفتاح كل كتاب أنزل ولما نزل على جبريل بها أعادها ثلاثاً وقال: هي لك ولأمتك فمرهم لا يدعوها في شيء من أمورهم فإني لم أدعها طرفة عين مذ نزلت على أبيك آدم عليه السلام وكذا الملائكة". وفي رواية: "إذا كتبتم كتاباً فاكتبوا في أوله بسم الله الرحمن الرحيم وإذا كتبتموها فاقرؤوها". وروي عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال: "تخلقوا بأخلاق الله" ولا شك أن عادته تعالى في ابتداء كل سورة الإتيان بالبسملة سوى براءة فنحن مأمورون به وعملاً بحديث أبي داود وغيره: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أقطع أو أجذم" والبال الشرف والعظمة أو الحال، والشأن الذي يهتم به شرعاً، ومعنى الاهتمام به طلبه أو إباحته بأن لا يكون محرماً لذاته ولا مكروهاً لذاته، لكن لا تطلب البسملة على محقرات الأمور ككنس زبل ولا تطلب للذكر المحض كالتهليل. وقال الشيخ عميرة: والبال أيضاً: القلب كأن الأمر لشرفه وعظمه ملك قلب صاحبه لاشتغاله به وفي قوله فيه للسببية على قياس قوله صلى الله عليه وسلّم: "دخلت امرأة النار في هرة" أي بسببها حبستها وهي امرأة من بني إسرائيل، والأبتر مقطوع الذنب، والأقطع من قطعت يداه أو إحداهما، والأجذم بالذال المعجمة المقطوع اليد وقيل الذاهب الأنامل. وقال البراوي: هو علة معروفة فهو من باب التشبيه البليغ، ومعنى الحديث: كل شيء له شرف وعظمة. أو كل شيء يطلب أو يباح أو كل شيء له قلب أي يملك قلباً لا يبدأ بسبب ذلك الشيء ببسم الله الرحمن الرحيم فهو كالحيوان المقطوع الذنب أو كمن قطعت يداه أو كمن ذهبت أنامله أو كمن به جذام في نقصه وعيبه شرعاً وإن تم حساً.
واختلف في البسملة هل هي آية من الفاتحة ومن كل سورة؟ فعند مالك أنها ليست آية من الفاتحة ولا من كل سورة، وعند عبد اللهبن المبارك أنها آية من كل سورة، وعند الشافعي أنها آية من الفاتحة وتردد في غيرها ولم يختلفوا فيها في النمل في عدها من القرآن. ومن خواصها إذا تلاها شخص عند النوم إحدى وعشرين مرة أمن تلك الليلة من الشيطان وأمن بيته من السرقة وأمن من موت الفجأة وغير ذلك من البلايا أفاده أحمد الصاوي. (الحمد) أي الثناء بالكلام على الجميل الاختياري مع جهة التبجيل والتعظيم سواء كان في مقابلة نعمة أم لا مستحق (لله) وهذا هو الحمد اللغوي الذي طلبت البداءة به، وأما الحمد الاصطلاحي فلا يطلب البداءة به وهو فعل يدل على تعظيم المنعم من حيث كونه منعماً على الحامد أو غيره سواء كان ذلك قولاً باللسان أو اعتقاداً بالجنان أو عملاً بالأركان التي هي الأعضاء (رب) أي مصلح (العالمين) لما افتتح بالبسملة افتتاحاً حقيقياً افتتح بالحمدلة افتتاحاً إضافياً جمعاً بين حديثي البسملة والحمدلة واقتداء بالكتاب أيضاً. وعملاً بحديث ابن ماجه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" وفي رواية: "فهو أقطع". وفي رواية: "فهو أبتر" والمعنى على كل مقطوع البركة وناقصها وقليلها. قال النووي رحمه الله تعالى: يستحب الحمد في ابتداء الكتب المصنفة وكذا في ابتداء دروس المدرسين وقراءة الطالبين بين يدي المعلمين سواء قرأ حديثاً أو فقهاً أو غيرهما، وأحسن العبارات في ذلك الحمد لله رب العالمين. وقال بعض الشافعية: أفضل المحامد أن يقال: الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده. وقيل: أفضل المحامد أن يقال: الحمد لله بجميع محامده كلها ما علمت منها وما لم أعلم، زاد بعضهم؛ عدد خلقه. كلهم ما علمت منهم وما لم أعلم. وفي خبر ابن ماجه عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال رب إني أعوذ بك من حال أهل النار (وبه) لا بغيره (نستعين) أي نطلب المعونة، فتقديم الجار والمجرور لإفادة الاختصاص (على أمور الدنيا والدين) يطلق الدين لغة على معان كثيرة منها الطاعة والعبادة والجزاء والحساب، وشرعاً على ما شرعه الله على لسان نبيه من الأحكام وسمي ديناً لأننا ندين له أن نعتقد وننقاد، ويسمى أيضاً ملة من حيث إن الملك يمليه أي يلقيه على الرسول وهو يمليه علينا، ويسمى أيضاً شرعاً وشريعة من حيث إن الله شرعه لنا أي بينه لنا على لسان النبي صلى الله عليه وسلّم (وصلى الله) أي زاده الله عطفاً وتعظيماً (وسلم) أي زاده الله تحية عظمى بلغت الدرجة القصوى.
0 komentar:
Posting Komentar